الأحد، 12 مايو 2013

الخلود البيولوجي بين الواقع والخيال



يعود حلم الخلود لقديم الأزمان ومع تطور مخ الانسان وادراكه لحتمية الموت أخذ يبحث عن الحياة الأبدية كبديل عن الواقع. فملوك الفراعنة حاولو تخليد أسمائهم بما كان متوافراً أمامهم من قصائد وأغاني تمجد اسمهم, وحفظوا أجسادهم بعد الموت في الأهرامات على أمل الحياة الجديدة. إننا ننظر الآن إلى فكرتهم بوضع كافة متعلقات الميت في قبره أنها فكرة سخيفة بعض الشيء, ولكن العلماء في عصرنا هذا يعتبرون الفراعنة من أوائل البشر الذين خطو خطوة بدائية تتناسب مع عصرهم نحو حلم الخلود.

الخلود يكمن في الخلايا البشرية نفسها وقد حاول العلماء اكتشاف أسرار العيش الطويل بتحليل تسلسل الحمض النووي. أحد هؤلاء المهتمين بهذا الموضوع البروفيسور جورج شيرش خريج جامعة هارفرد, هذا العالم يؤمن أن علاج الشيخوخة والوصول إلى الخلود البيولوجي يكمن في الجينوم البشري. 
عندما يتعلق الأمر بطول العمر فالأمر نسبي عند الكائنات فعلى سبيل المثال نجد أن بعض أنواع الذباب تعيش حياة كاملة وترقص وتتكاثر خلال 3 ساعات. وبعض أنواع الحيتان تعيش تقريباً 120 سنة بناء على أدلة الرماح التي وجدها العلماء مغروزة في لحمها. وأقدم أنواع السمك الكوا يعيش 226 سنة وأحد أنواع البطلينوس يعيش أكثر من 400 سنة في المياه المتجمدة حيث يكون مستوى استقلابه بطيء.
ولكن هل من الممكن التخلص من الشيخوخة نهائياً؟ إحدى المقالات في مجلة علم الشيخوخة التجريبي, تحدثت عن الهيدرا الحيوان المائي الصغير واقترحت بعد الملاحظة أن هذا الحيوان لا يمر بطور الشيخوخة ومن الممكن أن يكون خالداً بيولوجياً. أحد أنواع قناديل البحر تتمكن حتى من العودة من الشكل الناضج جنسياً إلى حالة البرعم الفتي ويمكن أن يقوم هذا الصنف بالتبادل بين الشكلين أكثر من مرة خلال دورة حياته هارباً من الموت البيولوجي. ولكنه طبعاً معرض للموت في حادث أو عن طريق الافتراس والأمراض.

أحد أغرب القضايا البشرية التي طرحت عن خلود الخلايا حدثت في مستشفى جون هوبكينز, حيث توفيت عام 1951 إحدى مريضات سرطان عنق الرحم وتدعى هنرييتا لاكس. احتفظ الجراحون بعينات من هذه الخلايا السرطانية لأغراض بحثية وأعطيت رمزا يتألف من الأحرف الأولى من اسم المريضة أي هيلا. أصبحت هذه الخلايا تنمو بلا توقف وبقيت على قيد الحياة مدة طويلة حتى أن الباحثين أصبحوا يطلبون عينات من هذه الخلايا لدراستها حيث أنها تطغى على أي مجموعة خلايا تلامسها. أسلاف الخلايا هيلا ما زالت حية حتى يومنا هذا أي أنها عاشت أكثر من 60 سنة والعد مستمر. مشكلة هذه الخلايا أنها لا تصلح أن تكون مثالاً جيداً لخلود الخلايا البشرية لأن خلاياها خاضعة لطفرات كثيرة في كروموسوماتها بسبب السرطان, لكنها أوحت لكثير من الأدمغة أمكانية حدوث مثل هذا الأمر بيولوجياً.

أفضل أنواع الخلايا المرشحة لتكون مثالاً جيداً للخلود البيولوجي هي الخلايا الجنسية الآتية من البويضة والنطفة التي من الممكن إعادة برمجتها والعودة بها إلى الشكل الجنيني لتصبح الخلايا الجذعية الشهيرة. هذه الخلايا من الممكن تطويرها واستنساخها للحصول على أعضاء كاملة جاهزة للزرع أو من الممكن حقنها في بويضة لتتطور وتصبح جنيناً وتوضع في رحم أنثى وتولد من جديد.

يستطيع العلماء تجميد هذه الخلايا للمحافظة عليها لحين حاجة صاحبها. قام العلماء باستنساخ أكثر من 20 نوع من بينها الفئران والقردة والقطط والأحصنة. ينظر بعض الأحيان إلى الاستنساخ نظرة على أنه خطر أو غير أخلاقي ولكن كل الاكتشافات مرت في هذه المرحلة وأنتجت اختتراعات ناجحة جداً استطاع كامل الجنس البشري الاستفادة منها كالتلقيح الصناعي الذي يستفيد منه ملايين البشر في العالم.

في البداية كان النقاش بين العلماء عن سلبيات الاستنساخ والصعوبات التي واجهوها مع كافة أنواع الحيوانات إذا طبقت على البشر ممكن أن تنتج طفرات جينية. وهذا ما يحدث حتى الآن ولكن هذا لا يعني أن الاستنساخ البشري غير قابل للحدوث!! السيناربو المحتمل لإنهاء هذا الجدال, أن العلماء الذين يستنسخون الحيوانات سيطورون تقنياتهم حتى تصبح نسبة النجاح مرتفعة ونسبة الخطأ عند القيام بالاستنساخ أقل من عملية التوالد الطبيعي عندها فقط ستصبح عملية الاستنساخ مقبولة ومن الممكن عندها مناقشة إمكانية تطبيقها على البشر أخلاقياً واجتماعياً. انتقال الجينات كاملة إلى أفراد جديدة وعملية الاستنساخ هي أحد الحلول التي من الممكن أن تشفي هذا الهاجس الذي رافق البشر منذ فجر التاريخ.